سقوط
كان يتسكع فى الطريق حينما رآها، امرأة ستينية تدس حافظتها فى إهمال فى حقيبتها الجلدية، بعد أن ابتاعت شيئاً ما. أيقن من نظرة واحدة أن الحافظة توشك على السقوط. همّ بالغريزة أن ينبهها لتحترس، إلا أن شيئا ما– لم يكن يدرى كنهه بعد– دفعه إلى السكوت. وتأخر بضع خطوات عنها حتى سبقته ثم راح يتتبعها.
امرأة تناهز الستين، بدينة من الطراز الذى يمشى فيلهث، يبدو تواضع حالها بوضوح من حذائها القديم الرخيص، لم يبد عليها أنها فطنت إلى حافظتها التى خرج معظمها وأوشكت على السقوط.
لم يسأل نفسه لماذا يتبعها ولكنه كان يعرف بينه وبين نفسه أنه يفعل ذلك من أجل الحافظة التى تحتوى على جنيهات قليلة هى فى الغالب معاشها حتى آخر الشهر.
كان الليل قد سقط ظلامه فى الدرب الذى أقفر من المارة إلا منهما، لكنها لم تفطن إلى تتبعه. امرأة فقيرة مثلها لا تملك الإحساس بالخطر، لم تكن أبدا محل مطاردة أو اقتفاء، وحتى لو لاحظت أنه تتبعها فلن تشك فيه، لن تتصور أن هذا الوجه البرىء الطفولى الملامح، تسكنه روح متمردة آثمة، ربما سترى الفتى القديم الذى كان يسكن هذا الجسد، يدأب على الصلاة فى المساجد بانتظام ويأبى المكسب الحرام فى شجاعة، لكن الفتى القديم قد رحل مع الراحلين.
متى تغير؟ راح يتذكر وهو يتبعها فى إصرار كشيطان ارتكب خطيئة السقوط لتوّه. لا يذكر متى تغير، ولا ريب أن الأمر حدث بالتدريج.
فى البدء صار يعمل فى أى مهنة متاحة حتى وإن لم يتقنها، ثم صار يغالى فى الأجر، باعتبار أن ذلك حقه. بعدها قبل على نفسه أن يأخذ عمولة فى الأشياء التى يشتريها ويستأمنه عليها الزبائن حينما يرون ملامحه الطفولية ووجهه البرىء.
خطوة بعد خطوة، وتنازل بعد تنازل، هكذا يحدث الأمر دائما بالتدريج. فى البدء كان يعانى الصراع النفسى، ثم بعد أول مرة يختفى تأنيب الضمير، لكن لم يخطر على باله قط أن يأتى اليوم الذى يتبع فيه امرأة فقيرة، فى انتظار أن يلتقط حافظتها التى تحتوى على ما يقوم بأودها بقية الشهر. ليتها كانت امرأة ثرية مستهترة ليجد مبررا للسرقة! ولكن هل يخادع نفسه؟ أليست السرقة حراما فى جميع الأحوال؟
حاول أن يقول لنفسه إن ما يفعله يختلف عن السرقة، لكنه لم يجد الحماس لخداع نفسه أكثر، وأخيراً حدث الشىء الذى لم يشك لحظة فى وقوعه: سقطت الحافظة بصوت مكتوم بجوار قدم السيدة. تمنى نصف فى نفسه أن تفطن المرأة للأمر، وتمنى نصفه الآخر ألا تفطن.
وابتعدت المرأة، بينما تسمر هو كشيطان ينظر إلى خطيئته التى تشكلت فى صورة حافظة رثة تحتوى على معاش قليل، حاول أن يرفع صوته ليستوقفها لكن صوته لم يخرج. على كل حال كانت السيدة قد ابتعدت كثيراً، حتى إنها لم تكن لتسمعه وإن أراد، وعلى ضوء المصابيح الخابية الصفراء انحنى فوق الحافظة ليلتقطها قبل أن يعلم أنها خاوية
كان يتسكع فى الطريق حينما رآها، امرأة ستينية تدس حافظتها فى إهمال فى حقيبتها الجلدية، بعد أن ابتاعت شيئاً ما. أيقن من نظرة واحدة أن الحافظة توشك على السقوط. همّ بالغريزة أن ينبهها لتحترس، إلا أن شيئا ما– لم يكن يدرى كنهه بعد– دفعه إلى السكوت. وتأخر بضع خطوات عنها حتى سبقته ثم راح يتتبعها.
امرأة تناهز الستين، بدينة من الطراز الذى يمشى فيلهث، يبدو تواضع حالها بوضوح من حذائها القديم الرخيص، لم يبد عليها أنها فطنت إلى حافظتها التى خرج معظمها وأوشكت على السقوط.
لم يسأل نفسه لماذا يتبعها ولكنه كان يعرف بينه وبين نفسه أنه يفعل ذلك من أجل الحافظة التى تحتوى على جنيهات قليلة هى فى الغالب معاشها حتى آخر الشهر.
كان الليل قد سقط ظلامه فى الدرب الذى أقفر من المارة إلا منهما، لكنها لم تفطن إلى تتبعه. امرأة فقيرة مثلها لا تملك الإحساس بالخطر، لم تكن أبدا محل مطاردة أو اقتفاء، وحتى لو لاحظت أنه تتبعها فلن تشك فيه، لن تتصور أن هذا الوجه البرىء الطفولى الملامح، تسكنه روح متمردة آثمة، ربما سترى الفتى القديم الذى كان يسكن هذا الجسد، يدأب على الصلاة فى المساجد بانتظام ويأبى المكسب الحرام فى شجاعة، لكن الفتى القديم قد رحل مع الراحلين.
متى تغير؟ راح يتذكر وهو يتبعها فى إصرار كشيطان ارتكب خطيئة السقوط لتوّه. لا يذكر متى تغير، ولا ريب أن الأمر حدث بالتدريج.
فى البدء صار يعمل فى أى مهنة متاحة حتى وإن لم يتقنها، ثم صار يغالى فى الأجر، باعتبار أن ذلك حقه. بعدها قبل على نفسه أن يأخذ عمولة فى الأشياء التى يشتريها ويستأمنه عليها الزبائن حينما يرون ملامحه الطفولية ووجهه البرىء.
خطوة بعد خطوة، وتنازل بعد تنازل، هكذا يحدث الأمر دائما بالتدريج. فى البدء كان يعانى الصراع النفسى، ثم بعد أول مرة يختفى تأنيب الضمير، لكن لم يخطر على باله قط أن يأتى اليوم الذى يتبع فيه امرأة فقيرة، فى انتظار أن يلتقط حافظتها التى تحتوى على ما يقوم بأودها بقية الشهر. ليتها كانت امرأة ثرية مستهترة ليجد مبررا للسرقة! ولكن هل يخادع نفسه؟ أليست السرقة حراما فى جميع الأحوال؟
حاول أن يقول لنفسه إن ما يفعله يختلف عن السرقة، لكنه لم يجد الحماس لخداع نفسه أكثر، وأخيراً حدث الشىء الذى لم يشك لحظة فى وقوعه: سقطت الحافظة بصوت مكتوم بجوار قدم السيدة. تمنى نصف فى نفسه أن تفطن المرأة للأمر، وتمنى نصفه الآخر ألا تفطن.
وابتعدت المرأة، بينما تسمر هو كشيطان ينظر إلى خطيئته التى تشكلت فى صورة حافظة رثة تحتوى على معاش قليل، حاول أن يرفع صوته ليستوقفها لكن صوته لم يخرج. على كل حال كانت السيدة قد ابتعدت كثيراً، حتى إنها لم تكن لتسمعه وإن أراد، وعلى ضوء المصابيح الخابية الصفراء انحنى فوق الحافظة ليلتقطها قبل أن يعلم أنها خاوية