مصر تبحث عن أمر جامع
د. أيمن الجندي
ما أعجب الإنسان! إن القوى الكامنة فيه لتثير دوار من يتأملها وكأنه يتطلع إلى النجوم بأبعادها السحيقة. والحق أن النفس الإنسانية كون كبير يحتوي ذلك الفضاء المديد بأجرامه ونجومه وكواكبه، ويبقى بعد ذلك كله متسع للدهشة، فمن منا لم تذهله قوى كامنة في نفسه لم يكن يدري بوجودها من قبل؟، نحقق في ساعات معدودات ما لم نصنعه في أيام وشهور، نؤدي جهدا عضليا فائقا ونتحمل مشاقا لم تخطر لنا ببال. وما الألعاب الفردية من قبيل السباحة لمسافات قصيرة أو العدو في مضمار التنافس إلا صورة مصغرة لما يمكن أن يصنعه الجهد البشري من معجزات حينما يتم استنفاره.
وكذلك الشعوب في نهضتها التي تدهشها حين تحدث قبل أن تدهش غيرها، كيف ازدهرت الحضارات عبر العصور بعد ظلمات الجهل وركود العزيمة؟ كيف فعلها المصريون القدماء الذين احتارت الأجيال المتعاقبة في استجلاء طلاسم سرهم المكنون؟ كيف علا صهيل خيل المسلمين لرفع أعلام التوحيد وتنكيس أعلام الشرك؟. وكيف نفسر الجيشان الجرماني الهادر على مسمع من خطب هتلر النارية؟، وكيف تجمعت شراذم الأمة اليهودية من كل جب سحيق لترفرف النجمة السداسية البغيضة؟.
ما القاسم المشترك بين هؤلاء جميعا؟ إنه الأمر الجامع الذي يؤلف بين القلوب المتنافرة، ويجمع الأمة على قلب رجل واحد فيتقاتلون كأنهم بنيان مرصوص، ويخلق لهم هدفا يتطلعون إليه ويرحبون بالموت من اجله.
والحق يقال: يصعب هزيمة أمة لها تلك المواصفات. ولن تنكس أعلامها إلا حين تدب الفرقة بين الصفوف، ويسري الوهن وتنحدر الحماسة وحب الاستشهاد نحو آفاق الغروب. حينئذ يسود الظلام وتتخبط الأمة في دياجير الوحشة والفرقة.
ولا ريب أنهم يعلمون ذلك في الغرب ولذلك فهم يفتعلون العدو تلو العدو، الأحمر (الشيوعية ) ثم الأخضر (الإسلام) لتوحيد الأمة.
............
وغياب الأمر الجامع هو ما ينقصنا في الوقت الراهن، بعد أن تدهورت أحوالها إلى حد يحزن الصديق ويشمت العدو، ترى الطرقات تزخر بأفواج من البشر متشرذمة متنافرة يعلوها التجهم، وتلوح نظرة حيرة وضياع في العيون.
والأمر الجامع – مثله مثل أي أمر آخر– قد يكون حقا أو باطلا، ربما يكون دعوة الثأر للكرامة الجريحة مثلما حدث لألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين، وربما يكون دعوة للتعقل والسيادة عن غير طريق الحروب مثلما فعلت ذات الأمة نفسها بعد هزيمتها المروعة والتي تمخضت عن نصر باهر في ميادين البناء والحياة، وربما تكون دعوة تاريخية تمخضت عنها رحم الخرافة والأحقاد مثلما تجمعت الشراذم الصهيونية لتعيث فسادا، وقد تعود الدعوة إلى دعاوى قومية مثلما حدث في الحقبة الناصرية.
لن ينصلح حالنا إلا حينما نتجمع حول أمر جامع. عن نفسي أتمنى أن يكون هذا الأمر الجامع هو أن نلحق بركب الأمم المتقدمة في الحياة الحرة الكريمة. ولن يحدث هذا إلا لو فهمنا أن مفتاح الحضارات واحد في كل زمان ومكان: العمل بجدية واستقامة من أجل أن نعيش بكرامة.
د. أيمن الجندي
ما أعجب الإنسان! إن القوى الكامنة فيه لتثير دوار من يتأملها وكأنه يتطلع إلى النجوم بأبعادها السحيقة. والحق أن النفس الإنسانية كون كبير يحتوي ذلك الفضاء المديد بأجرامه ونجومه وكواكبه، ويبقى بعد ذلك كله متسع للدهشة، فمن منا لم تذهله قوى كامنة في نفسه لم يكن يدري بوجودها من قبل؟، نحقق في ساعات معدودات ما لم نصنعه في أيام وشهور، نؤدي جهدا عضليا فائقا ونتحمل مشاقا لم تخطر لنا ببال. وما الألعاب الفردية من قبيل السباحة لمسافات قصيرة أو العدو في مضمار التنافس إلا صورة مصغرة لما يمكن أن يصنعه الجهد البشري من معجزات حينما يتم استنفاره.
وكذلك الشعوب في نهضتها التي تدهشها حين تحدث قبل أن تدهش غيرها، كيف ازدهرت الحضارات عبر العصور بعد ظلمات الجهل وركود العزيمة؟ كيف فعلها المصريون القدماء الذين احتارت الأجيال المتعاقبة في استجلاء طلاسم سرهم المكنون؟ كيف علا صهيل خيل المسلمين لرفع أعلام التوحيد وتنكيس أعلام الشرك؟. وكيف نفسر الجيشان الجرماني الهادر على مسمع من خطب هتلر النارية؟، وكيف تجمعت شراذم الأمة اليهودية من كل جب سحيق لترفرف النجمة السداسية البغيضة؟.
ما القاسم المشترك بين هؤلاء جميعا؟ إنه الأمر الجامع الذي يؤلف بين القلوب المتنافرة، ويجمع الأمة على قلب رجل واحد فيتقاتلون كأنهم بنيان مرصوص، ويخلق لهم هدفا يتطلعون إليه ويرحبون بالموت من اجله.
والحق يقال: يصعب هزيمة أمة لها تلك المواصفات. ولن تنكس أعلامها إلا حين تدب الفرقة بين الصفوف، ويسري الوهن وتنحدر الحماسة وحب الاستشهاد نحو آفاق الغروب. حينئذ يسود الظلام وتتخبط الأمة في دياجير الوحشة والفرقة.
ولا ريب أنهم يعلمون ذلك في الغرب ولذلك فهم يفتعلون العدو تلو العدو، الأحمر (الشيوعية ) ثم الأخضر (الإسلام) لتوحيد الأمة.
............
وغياب الأمر الجامع هو ما ينقصنا في الوقت الراهن، بعد أن تدهورت أحوالها إلى حد يحزن الصديق ويشمت العدو، ترى الطرقات تزخر بأفواج من البشر متشرذمة متنافرة يعلوها التجهم، وتلوح نظرة حيرة وضياع في العيون.
والأمر الجامع – مثله مثل أي أمر آخر– قد يكون حقا أو باطلا، ربما يكون دعوة الثأر للكرامة الجريحة مثلما حدث لألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين، وربما يكون دعوة للتعقل والسيادة عن غير طريق الحروب مثلما فعلت ذات الأمة نفسها بعد هزيمتها المروعة والتي تمخضت عن نصر باهر في ميادين البناء والحياة، وربما تكون دعوة تاريخية تمخضت عنها رحم الخرافة والأحقاد مثلما تجمعت الشراذم الصهيونية لتعيث فسادا، وقد تعود الدعوة إلى دعاوى قومية مثلما حدث في الحقبة الناصرية.
لن ينصلح حالنا إلا حينما نتجمع حول أمر جامع. عن نفسي أتمنى أن يكون هذا الأمر الجامع هو أن نلحق بركب الأمم المتقدمة في الحياة الحرة الكريمة. ولن يحدث هذا إلا لو فهمنا أن مفتاح الحضارات واحد في كل زمان ومكان: العمل بجدية واستقامة من أجل أن نعيش بكرامة.
No comments:
Post a Comment